ما قبل نشأة الكون؟ سؤال حيّر العالم أجمع. قبل بداية الكون، ما الذي كان موجودًا؟ ومن أين أتت تلك الطاقة الهائلة التي كانت في الذرة البدائية التي انفجرت وأنشأت الكون الحالي؟ هل للكون خالق أم وُجد من العدم؟ هناك ثلاث طوائف أجابت عن هذه الأسئلة: العلم، والفلسفة، والدين. دعونا نتعرف على رأي هذه الطوائف الثلاث ونقارن أيها أقرب إلى الصواب، وما نقاط القوة والضعف في كل رأي.
1. الرأي العلمي في ما قبل نشأة الكون؟
لا توجد نظرية كاملة توضح لنا ما قبل نشأة الكون بشكل قاطع، ولكن توجد بعض الأفكار والنظريات التي تقدم افتراضات حول هذه النقطة. من المعروف أن “الزمن” كما نعرفه بدأ مع الانفجار العظيم، لذا، قد يكون مفهوم “قبل” غير ذي معنى علميا.
ولاكن دعونا نوضح ما وصل اليه العلم في هذا السؤال و ما التحديات التي تواجه العلماء في هذه المسألة
1. الحدود الزمنية والفيزيائية:
- يعتمد فهمنا للكون على قوانين الفيزياء التي نعرفها اليوم، ولكن كلما تراجعنا في الزمن نحو لحظة نشأة الكون، تصبح القوانين الفيزيائية أقل وضوحًا وتبدأ في فقدان دقتها، خصوصًا عند جزءٍ من الثانية الأولى من عمر الكون حيث يصبح تأثير الجاذبية الكمية قويًا.
- النظرية الحالية، النسبية العامة لأينشتاين، تعمل جيدًا على مقاييس كبيرة ولكنها تتعثر عند “نقطة التفرد” التي يُعتقد أنها كانت في لحظة الانفجار العظيم. هنا، يحتاج العلم لنظرية تجمع بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، وهي ما يُعرف بــنظرية الجاذبية الكمية، ولكن حتى الآن لم تُطور بشكل كامل.
2. غياب الأدلة المباشرة:
- لا يمكننا رصد ما قبل الانفجار العظيم مباشرةً، فالإشعاع الكوني الميكروي الذي يعتبر أقدم ضوء يمكننا رؤيته، يمثل بقايا الضوء من حوالي 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم، مما يترك فجوة زمنية يصعب الوصول إليها.
- بدون أدلة مباشرة، يصبح من الصعب صياغة نظريات مدعومة بأدلة رصدية.
3. النظريات البديلة:
- النظريات التي تتناول ما كان يمكن أن يكون موجودًا قبل الانفجار العظيم كثيرة ومثيرة، ولكن أغلبها نظري ولا تزال في مرحلة البحث والتطوير. إليك بعض أبرز النظريات التي طرحها العلماء:
نظرية التضخم الأبدي (Eternal Inflation Theory)- تفترض هذه النظرية أن الكون قد مر بفترة من التوسع السريع (التضخم) بعد الانفجار العظيم، وأن هذا التضخم لا يزال مستمرًا في مناطق أخرى خارج “الفقاعة” التي نعيش فيها. يمكن أن تكون هذه الفقاعات متعددة، وفي كل واحدة يحدث “انفجار عظيم” خاص بها.
- يعني هذا أن الكون الخاص بنا قد يكون واحدًا من عدد لا متناهٍ من الأكوان التي تتشكل باستمرار في “التضخم الأبدي”.
نظرية الكون الدوري (Cyclic Universe Theory)
- وفقًا لهذه النظرية، فإن الكون يمر بدورات متكررة من الانفجار والانكماش. بعد كل انفجار عظيم، يتوسع الكون، ثم يبدأ بالانكماش تدريجيًا حتى يصل إلى نقطة تجمع هائلة (Big Crunch)، ثم يحدث انفجار عظيم جديد.
- هذه النظرية تعيد فكرة أن الكون ليس له بداية أو نهاية، بل هو في حالة دورية دائمة من الانفجارات والانهيارات.
نظرية الأوتار والكون متعدد الأبعاد (String Theory and Brane Cosmology)
- تقترح نظرية الأوتار أن الكون مكوّن من أوتار صغيرة تتذبذب بأشكال مختلفة. وتستند إحدى تفسيرات النظرية، وهي علم الكون الغشائي (Brane Cosmology)، إلى فكرة وجود “غشاء” (brane) يمثّل كوننا، وأنه يتفاعل مع أغشية أخرى في فضاء ذي أبعاد أعلى.
- قد تؤدي اصطدامات هذه الأغشية إلى انفجارات عظيمة متكررة، ما يخلق أكوانًا متعددة في كل مرة تحدث فيها اصطدامات.
نظرية الجاذبية الكمية الحلقية (Loop Quantum Gravity)
- تحاول هذه النظرية دمج الجاذبية وميكانيكا الكم عن طريق النظر إلى الفضاء والزمن على أنهما مكوّنان من وحدات أو “حلقات” صغيرة. بناءً على هذه النظرية، يمكن أن يكون الكون قبل نشأ الكون موجودًا في حالة تُعرف باسم “الارتداد العظيم” (Big Bounce).
- يقترح هذا النموذج أن الكون لم يبدأ من “نقطة تفرد” (حالة لا نهائية الكثافة والطاقة)، بل من ارتداد، حيث كان الكون في حالة انكماش قبل أن يعود للتمدد في انفجار جديد.
نظرية الأكوان المتعددة (Multiverse Theory)
- هناك عدة نسخ من نظرية الأكوان المتعددة، بعضها يقول إن كل خيار نقوم به يؤدي إلى “تفرع” أو “كون موازٍ” مختلف. في هذا السياق، يقترح أن الانفجار العظيم ليس حدثًا وحيدًا، بل أن هناك أكوانًا عديدة تنبثق من نقاط تفرد متعددة.
نظرية الكون بدون حدود (No-Boundary Proposal)
- اقترح هذه النظرية الفيزيائي ستيفن هوكينغ وزميله جيمس هارتل. تفترض النظرية أن الكون في بداية الزمن لم يكن محدودًا، بل كان جزءًا من شكل “كروي” رباعي الأبعاد. وفقًا لهذه الفكرة، لا يوجد “قبل” الانفجار العظيم بمعنى الزمن الذي نفهمه اليوم، بل أن الزمن نفسه بدأ مع الكون، ولهذا فإن السؤال عن “ما قبل” الانفجار العظيم ليس له معنى في هذا السياق.
النموذج المتقلب (Ekpyrotic Model)
- هذا النموذج يعتمد على نظرية الأغشية ويقول إن كوننا تشكل نتيجة اصطدام بين أغشية في أبعاد أعلى. على عكس نظرية الانفجار العظيم التقليدية، يقترح هذا النموذج أن الكون كان موجودًا في حالة باردة ومستقرة قبل الاصطدام، وأن هذا الاصطدام هو ما أدى إلى نشوء الكون كما نعرفه.
نظرية الكون ذو الحالة الثابتة (Steady State Theory)
- كانت هذه النظرية شائعة قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم، وتفترض أن الكون كان موجودًا دائمًا في حالة ثابتة لا بداية لها. على الرغم من أن هذه النظرية فقدت معظم تأييدها بعد اكتشاف توسع الكون، إلا أن بعض العلماء يعيدون النظر فيها بفضل النظريات الجديدة التي تشير إلى أكوان متعددة أو أزمنة دورية.
4. التحديات في دمج النسبية العامة وميكانيكا الكم:
- هذا الاندماج مطلوب لفهم ما قد يكون قد حدث عند “نقطة التفرد”، ولكن لم يتمكن العلماء بعد من تطوير هذه النظرية بشكل شامل. نظرية الأوتار أو “الجاذبية الكمية الحلقية” تحاول دمج هذين النظامين، لكنها لا تزال قيد التطوير.
5. الفرضيات الجديدة والمستقبلية:
- تطورات علمية جديدة، مثل تقنيات الرصد المتقدمة والتجارب النظرية، قد تساعد العلماء في الوصول إلى فهم أفضل لما كان يحدث ما قبل نشأة الكون.
6. خلاصة رأي العلم في هذا الموضوع
لقد وصل العلم إلى لحظة بداية الكون بأدلة منطقية، ولكن سيبقى ما قبل هذه اللحظة لغزًا كبيرًا، لأن القوانين التي تحكم عالمنا الحالي بدأت من تلك اللحظة. وهناك عقبة كبيرة جدًا إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال علميًا، وهي أنه لابد من تغيير بعض قوانين الفيزياء التي توصلنا إليها، خاصة قانون بقاء الطاقة، الذي ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم. إذاً، من أين أتت تلك الطاقة التي أنشأت ذلك الكون الذي لا نستطيع أن نرى منه سوى جزء صغير جدًا؟ وإذا كان للطاقة مصدر، فمن أين أتى هذا المصدر بتلك الطاقة؟
سنظل نسأل هذا السؤال وندور في حلقة لا نهائية، ولن نتوصل إلى إجابة علمية عن هذا السؤال إلا إذا غيّرنا قوانين الفيزياء الخاصة بعالمنا، وهو أمر شبه مستحيل على المجتمع العلمي. وحتى الآن، لا توجد إجابة علمية على هذا السؤال، ولهذا سننتقل إلى رأي الفلاسفة في هذا السؤال؛ ربما نجد في رأيهم الجواب.
2. الرأي الفلسفي في ما قبل نشأة الكون؟
عدة فلاسفة عبر العصور تناولوا مسألة ما قبل نشأة الكون وبداية الزمن، ولكل منهم مقاربة مختلفة وفقًا للزمان والثقافة التي عاشوا فيها. هنا قائمة بأبرز هؤلاء الفلاسفة وأفكارهم الرئيسية حول هذا الموضوع:
- بارمينيدس (القرن الخامس قبل الميلاد): من أوائل الفلاسفة الذين تساءلوا حول مفهوم “العدم”. طرح تساؤلاً حول إمكانية أن يأتي شيء من العدم، مما قاد إلى فكرة أزلية الكون ورفض فكرة البداية المطلقة.
- أفلاطون (427-347 ق.م): تصور أن الكون خُلق من مادة خام أزلية بواسطة “الصانع” (Demiurge) كما يصفه في كتابه طيماوس. لم يكن الكون لديه بداية بالمعنى المطلق، لكنه استمر وفق تصميم إلهي.
- أرسطو (384-322 ق.م): رفض فكرة البداية المطلقة للكون واعتبره أزليًا. قدم مفهوم “العلة الأولى” أو “المحرك الذي لا يتحرك”، الذي يسبب حركة الكون بدون أن يكون له بداية أو نهاية.
- القديس أوغسطينوس (354-430 م): كان أحد فلاسفة العصور الوسطى الذين تأثروا بالفكر المسيحي، حيث رأى أن الزمن نفسه بدأ مع خلق الكون. اعتبر أن الله “خارج الزمن”، وأن فكرة “ما قبل” الكون ليست ذات معنى لأن الزمن لم يكن موجودًا قبل الخلق.
- توما الأكويني (1225-1274 م): حاول التوفيق بين الفلسفة اليونانية والفكر المسيحي، واقترح أن الكون قد يكون أزليًا لكنه مخلوق بإرادة إلهية. بالنسبة له، الله كان العلة الأولى، لكن الزمن والبداية نشآ مع الكون.
- إيمانويل كانط (1724-1804 م): قدم فكرة أن الزمن والمكان هما قوالب عقلية نستخدمها لفهم العالم، ولا يمكننا تخيل ما قبل نشأة الكون لأن العقل البشري غير مهيأ لذلك. وفقاً له، تساؤلاتنا عن ما قبل نشأة الكون هي خارج قدرة العقل على الفهم.
- غوتفريد لايبنتز (1646-1716 م): ناقش “سبب” وجود الكون وقدم مفهوم “العلة النهائية”. اعتقد أن الكون له سبب، لكنه سبب غائي يتجاوز حدود الزمن، ولم يُحدد كوناً زمنياً قبل الكون.
- فريدريك هيجل (1770-1831 م): تبنى رؤية جدلية للتاريخ والكون، واعتبر أن الكون يتحرك وفق عملية جدلية. لم يتحدث مباشرة عن “ما قبل” الكون، لكنه قدم مفهومًا للكون المتغير بعمليات متتالية وليس بحدث واحد.
خلاصة الرأي الفلسفي في ما قبل نشأة الكون؟
اري ان الرأي الفلسفي ينحصر في ثلاث نقاط رئيسية وهما
- وجود خالق او صانع لهذا الكون و هو الامر الاكثر منطقية حتي الان و سنتعرف فيما بعد لماذا هي الاكثر منطقية.
- ان الكون ازلي و لا توجد له بداية و هذا ينافي العلم و المنطق لانه لا يوجد شئ الا و له بداية في عالمنا.
- ان هذا الموضوع يتجاوز حدود العقل البشري و لا نسطتيع نحن البشر معرفته و هي ايضا اجابة منطقية.
و ايضا الرأي الفلسفي لن يقدم لنا اجابه قاطعه او موحده في هذا السؤال و هو ما قبل نشأة الكون و سننتقل الي الرأي الاخر الذي يتحدث في هذا الامر و هو الرأي الديني في هذا الموضوع.
3. الرأي الديني في ما قبل نشأة الكون؟
تتفق معظم الأديان على رأي واحد في هذه المسألة، وهو وجود خالق لهذا الكون. وقد أصبح هذا الأمر الآن منطقياً للعقل البشري.
لأن كل واحد منا يستطيع الآن من خلال جهاز الكمبيوتر أن ينشئ عالماً أو لعبة، ويضع لها القوانين من خلال برمجة بعض الأكواد.
فمن الممكن الآن أن تنشئ سماءً وأرضاً ومخلوقات، وتضع لها قوانين الحركة، بل ويمكنك أن تجعلها تتكاثر بطرق مختلفه ليس كالبشر؛ حيث يمكن أن ينقسم جزء من الشخصية في اللعبة ليصبح كائناً جديداً. فمثلاً، إذا أنشأت شخصية في عالم افتراضي وجعلتها تفكر بالذكاء الاصطناعي.
فهل تستطيع هذه الشخصية أن تتجاوز حدود اللعبة؟ الإجابة هي لا.
وهل تستطيع أن تراك وأنت في عالم آخر؟ الإجابة أيضاً لا.
وهل ستكون لديها معلومات عن العالم الذي أنت فيه؟ الإجابة كذلك لا.
ستأخذ هذه الشخصية المعلومات عنك من خلالك فقط، وسيكون مدى رؤيتها وحدودها في العالم الذي أنشأته أنت، ووفق القوانين التي وضعتها أنت.
ومن الصعب أن يكون للصدفة دور في خلق هذا الكون بأكمله، فلو تغير أي شيء بسيط في أي قانون او في اي من القوي الاساسية أو في تكوين الإنسان نفسه، لأدى ذلك إلى كوارث كونية. هذا التناسق لا بد له من خالق، وليس من المنطقي أن تستيقظ صباحاً لتجد أن الكمبيوتر قد برمج عالماً من تلقاء نفسه ووضع له قوانينه الخاصة. لذلك، فإن الرأي العلمي والفلسفي سيقودنا إلى حدود الكون الذي نعيش فيه، ولكن قبل ذلك يجب أن نستقي الإجابة من خالق هذا الكون. وهنا نصل إلى سؤال يجب أن نجيب عليه لكي نتمكن من الإجابة عن السؤال الأساسي: من هو خالق هذا الكون، وما هو الدين الصحيح الذي يدل عليه؟
من هو خالق هذا الكون، وما هو الدين الصحيح الذي يدل عليه؟
بعد البحث في هذا الأمر، وجدنا أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الأديان:
- الأديان السماوية التوحيدية: هي أديان مترابطة، حيث يعبد أتباعها إلهًا واحدًا ويؤمنون بنفس الرسل، لكن تختلف شرائعها وطرق عبادتها. يعود هذا الاختلاف إلى أن الله سبحانه وتعالى كان يرسل الأنبياء إلى طوائف مختلفة وفي أزمنة متعددة. وفي النهاية، أرسل الله آخر الأنبياء، وهو محمد ﷺ، ليكون خاتم النبيين، وليتم الرسالة السماوية الأخيرة، دين الإسلام، للعالم أجمع.
- الأديان متعددة الآلهة: هي تلك التي يعتقد أتباعها بوجود آلهة متعددة، حيث يمثل كل إله جانبًا أو قوة معينة من قوى الطبيعة أو جوانب الحياة الإنسانية، وتكون لكل إله صفات ووظائف محددة. تُعتبر هذه الأديان من أقدم الأديان التي عرفها البشر، وقد ظهرت في ثقافات مختلفة حول العالم، حيث تتنوع شخصيات الآلهة وخصائصها باختلاف الحضارات والمعتقدات.
- الأديان غير الإلهية: هذه الديانات لا تتضمن مفهومًا لإله خالق شخصي، بل تركز على المبادئ الأخلاقية والتأمل الروحي والفهم الفلسفي للحياة، وتعتمد على نهج يعتمد على التناغم مع الطبيعة أو تحقيق التنوير الذاتي.
بعد البحث والمقارنة، وجدنا أن الإجابة على سؤالنا “من هو خالق هذا الكون؟” تأتي بوضوح من الأديان السماوية، حيث تقدم أفضل تفسير لذلك. وبما أن آخر دين سماوي هو الإسلام، وهو الدين الوحيد الذي لا يزال بلغته الأصلية (العربية)، وأيضًا الدين الذي يلزم أتباعه بالإيمان بجميع الأنبياء والرسالات التوحيدية السابقة، فإن الإسلام يُعد أفضل مصدر للإجابة على السؤال الأساسي: “ما قبل نشأة الكون”
لماذا اخترنا دين الإسلام للإجابة على هذا السؤال؟
لقد اخترنا دين الإسلام لعدة أسباب، منها:
- الإسلام هو أقدم دين موجود بلغته الأصلية حتى الآن:
- يُعتبر الإسلام أقدم الأديان التي لا تزال محفوظة بلغتها الأصلية حتى يومنا هذا، حيث بقي القرآن الكريم، النص المقدس للمسلمين، بلغته الأصلية (اللغة العربية) منذ نزوله في القرن السابع الميلادي. وقد بذل المسلمون عبر التاريخ جهدًا كبيرًا للحفاظ على نص القرآن كما هو دون تحريف أو تغيير، ويُعتبر النص القرآني اليوم مطابقًا للنص الذي نزل على النبي محمد ﷺ.
- الإشارات العلمية الدقيقة:
- يتضمن القرآن إشارات تتعلق بالظواهر الكونية والطبيعية، مثل نشأة الكون، وتكوين الإنسان، ودورة المياه، والتوازن في الطبيعة، وأطوار الجنين. ولتوضيح ذلك، سنأخذ مثالين من القرآن الكريم.
المثال الأول:
- قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء: 30).
- في هذه الآية، التي نزلت قبل أكثر من 1400 عام، هناك إشارتان علميتان. الأولى هي أن السماوات والأرض كانتا متصلتين في بداية الخلق، ثم فصلهما الله، وهذا يتشابه مع نظرية الانفجار العظيم، التي تعتبر النظرية السائدة في الوسط العلمي حاليًا حول نشأة الكون. أما الإشارة الثانية، فهي قوله “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ”، وهي حقيقة علمية تؤكد أن الماء ضروري لجميع أشكال الحياة المعروفة، ولا يمكن لأي كائن حي البقاء دون الماء.
المثال الثاني:
- قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (سورة المؤمنون: 12-14).
- تصف هذه الآيات مراحل خلق الإنسان بدقة، وتتناول تطور الجنين في رحم الأم. وتُعد هذه الآيات تحديًا للبشر، لأنها تشرح مراحل الخلق بدقة لم تكن معروفة في القرن السابع الميلادي. إليكم شرحًا للمراحل:
- “خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ”: تشير الآية إلى أصل خلق الإنسان من الطين، ويُفسرها بعض العلماء بأن الطين يمثل المواد الطبيعية التي خُلِق منها الإنسان، والتي تحتوي على العناصر الأساسية الموجودة في جسم الإنسان مثل الكربون والأكسجين والهيدروجين. من منظور علمي، جسم الإنسان يتكون من العناصر الموجودة في الأرض، ويُعتبر هذا الوصف تشبيهًا أدبيًا لأصل الإنسان من الأرض.
- “ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ”: كلمة “نطفة” تعني قطرة صغيرة، ويُفسرها العلماء كإشارة إلى البويضة المخصبة أو الحيوان المنوي الذي يخصب البويضة. أما “القرار المكين”، فيشير إلى الرحم، وهو مكان ثابت ومناسب لنمو الجنين، وهو ما يتوافق مع المعرفة العلمية بأن الرحم هو البيئة المثالية لاحتضان الجنين.
- “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً”: “علقة” تعني شيئًا معلقًا أو دمًا متجمدًا. بعد الإخصاب، تمر البويضة المخصبة بمرحلة تتعلق فيها بجدار الرحم، وهذا يتوافق مع توصيف “العلقة”. كما أن الجنين في هذه المرحلة يشبه قطرة الدم في الشكل والنسيج.
- “فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً”: “مضغة” تعني قطعة صغيرة ممضوغة من اللحم، وفي هذه المرحلة يتخذ الجنين شكلًا يشبه قطعة اللحم الصغيرة، وقد يكون فيها انحناءات تشبه علامات الأسنان، ما يتفق مع مراحل تطور الجنين.
- “فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا”: تشير الآية إلى تشكّل العظام ثم تكسيها باللحم. من الناحية العلمية، العظام والعضلات تتكونان بشكل متزامن تقريبًا، وليس بتسلسل زمني دقيق يفصل بينهما، بل تتشكل خلايا العظام والغضاريف بالتوازي مع تكوّن العضلات. ويرى بعض العلماء أن الآية تشير إلى التطور التدريجي الذي يُظهر العظام أولاً، ثم تُغلفها العضلات.
- “ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ”: يُفسر العلماء هذه العبارة بأنها تشير إلى مرحلة متقدمة في تكوين الإنسان، حيث يبدأ الجنين في اتخاذ شكل إنساني كامل.
الخلاصة
اختيار الإسلام للإجابة على هذا السؤال يأتي من كونه دينًا محفوظًا بلغته الأصلية، ويحتوي على إشارات علمية تتوافق مع اكتشافات العلم الحديث، ما يجعله مصدراً موثوقاً للإجابة عن أسئلة كبرى تتعلق بنشأة الكون والحياة.
ما قبل نشأة الكون في الدين الاسلامي
قال الله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ” (سورة هود، الآية 7).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض” (رواه البخاري).
تفسير الآية والحديث
من خلال فهمنا لتفسير هذه الآية وهذا الحديث، يُدرك المسلمون أن الله كان موجودًا منذ الأزل، ولا تنطبق عليه صفات المخلوقات، مثل البداية والنهاية. فلم يكن هناك شيء غير الله، وكان عرش الرحمن موجودًا، وهو أعظم وأثقل مخلوق خلقه الله. ثم خلق الله القلم وأمره أن يكتب كل ما سيحدث إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ. بعد ذلك، بدأ الله في خلق السماوات والأرض، أو ما يُعرف بالكون.
عظمة العرش
وردت عدة أحاديث توضح عظمة العرش، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة” (رواه ابن أبي شيبة في المصنف).
العرش هو أعظم مخلوقات الله وأعلاها منزلة، يُحمله ملائكة عظام، وقد استوى الله عليه بما يليق بجلاله. ولا يمكن للبشر تصور حقيقته بالكامل، لأنه من الغيبيات التي تعجز عقولنا عن إدراكها.
4. الخلاصة
لقد عجز العلم عن تقديم تفسير نهائي لما قبل نشأة الكون، وقدمت الفلسفة تصورات منطقية تشير إلى أن الكون لا بد أن له بداية، وأن لكل مسبب سبب. الإسلام يقدم إجابة واضحة، مفادها أن الله هو المحرك الأول، الخالق الأزلي الذي لا بداية له، وأنه أوجد الأسباب والكون من العدم. وبالتالي، لا يمكن للبشر أن يدركوا ما كان قبل بداية الكون إلا من خلال الوحي الإلهي.
و قد خلق الله سبحانه و العرش ثم خلق الله القلم و جعله يكتب في اللوح المحفوظ كل شئ حتي نهاية ذالك العالم ثم بعد ذالك بدء بخلق الكون.